الإنسان وحده من يرى الآخر ملاكا أو شيطانا، فيصنفه في أي الخانات يريده هو، إما أن تكون لمصلحة شخصية أو منفعة ذاتية، أو تحت استنتاجات وشواهد حية تصدر من الآخر، ولكن أحيانا كثيرة جدا تأخذنا العواطف نحو الآخر، سواء عواطف الحب والشفقة أو عواطف الكره والحقد، تأخذنا إلى مالا تحمد عقباه، عندما نأتي ونقلب صفحات أيامنا وإن كانت قليلة فنجد فيها الكثير من الصور في ألبومنا اليومي وأرشيفنا العملي، فكم من إنسان رأيناه حكيما ثم صار أحمقا بحكمته، وكم من عالم صار جاهلا بعلمه، وكم من مناظل صار خائننا بنظاله، والعكس دائما هو الصحيح.
كل هذه الرؤية إنما تتوقف فقط على الزاوية التي نحن فيها واقفون، فمن أي الزوايا أنت وقفت سترى الأخر بزاوية مختلفة، وأضف إلى ذلك إذا لبست نظارة ملونة فإنك ستراه باللون الذي على عينيك، وبما أنك اخترت نظارة حمراء فأنت تحب اللون الأحمر وكل شيء أحمر، وحتى الآخر فستراه أحمر، ولكن لا يهم فيما إذا أزحت النظارة ورأيت الآخر على طبيعته.
كما يقال دائما اتق شر من أحسنت إليه، هذه الكلمة وغيرها من كلام الأولين لم تأتي عن عبث، فما هي إلا ترجمة مختصرة لحياة الإنسان اليومية فتصير عبرة لأولي الألباب، فهل إنسان اليوم مدرك لما هو عامل بيده؟.
كل يوم يمضي بكل تأكيد لا يعود، ولكن الفعل الذي فعلناه ربما يمكن إعادة صياغته بعد التفكر والتأني فيما نحن مقدمين عليه إلا من أبى، فكل ذو فعل مصر على فعله فهو مقتنع بأفكاره مؤمن بعقيدته التي نسجها من وحي خياله أو ربما من الطبيعة التي يعيش فيها بشكل أصح، ولكن تبقى في النهاية عقيدة خيالية ليس إلا، وبما أنها من خياله فمن الصعب أن نجعل الآخر يتخيل ما يتخيله الأنا، ولكن فقط يعطيه رؤوس أقلام ليدوّن ويرسم ما يرويه له بطريقة جمالية وأسلوب مغري وإن كان قبيحا بشعا مقززا جميلا لطيفا وسيما.